خلال استعراض الدراسات العلمية في العشر سنوات الأخيرة، نجد أن هناك اهتماما كبيرا وملحوظا على نظام حوكمة الشركات ( Corporate Governance) سواء من قبل الباحثين الأكاديميين أو من خلال الشركات المساهمة والحكومات، وذلك من أجل إعادة ثقة المستثمرين بقطاع الأسهم بعد الفضيحة التي منيت بها شركة انرون (Enron) وسقوط شركة وورلد كوم (World Com) الأمريكيتين. باستعراض موسع للدراسات السابقة والتي تناولت نظام حوكمة الشركات في كل من الدول المتقدمة والدول النامية، وجد أن هذا النظام مهم جدا سواء للقطاع العام أو القطاع الخاص، ومعظم هذه الدول أصبحت تضعه في أجندتها من أجل تطبيقه التطبيق الأمثل. وهذا ينطبق بطبيعة الحال على المملكة العربية السعودية حيث انها قامت بإنشاء هيئة السوق المالي أخيراً، وأوكلت لها القيام بدراسة موسعة من أجل إصدار معايير ((Code لنظام حوكمة الشركات والذي يتوافق بطبيعة الحال مع البيئة وطبيعة الشركات السعودية.
نظام حوكمة الشركات باختصار شديد هو نظام أنشئ من قبل (Sir Adrian Cadbury) في عام 1991م، وهو نظام وضع من أجل توجيه وإدارة جميع الأعمال داخل وخارج الشركة من أجل التأكد من أن هناك نظاما محكما يحدد مسئوليات وواجبات أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية للشركة مع الأخذ في الاعتبار حماية حقوق جميع المساهمين باختلاف أحجامهم وحماية أيضا حقوق أصحاب المصالح المختلفة مع الشركة.

تكمن أهمية هذا البحث بتقديم دراسة شاملة ووافية عن طبيعة وتطبيق نظام حوكمة الشركات في الشركات المساهمة العاملة في السوق السعودي، مع التركيز على النقطة التالية هل نظام حوكمة الشركات الحالي أضاف قيمة مهمة للشركات المساهمة السعودية. أيضا التركيز على الاحتمالات التي يجب استعراضها من أجل تحسين الوضع أو التطبيق الحالي لهذا النظام. من أجل تحقيق هذا الهدف، قامت هذه الدراسة أولا بتقييم الوضع الحالي المطبق لنظام حوكمة الشركات في الشركات المساهمة السعودية. ثانيا أخذ أراء أربع شرائح أو مجموعات اشتركت في هذه الدراسة وهم، المديرون الماليون والمراجعون الداخليون العاملون في الشركات المساهمة السعودية، الأكاديميون المتخصصون في قطاع الأعمال العاملين في الجامعات السعودية، المحاسبون القانونيون العاملون في مكاتب المراجعة، وأخيرا الحكومة من خلال العاملين في هيئة المحاسبين القانونيين السعودية.


أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:

٭ استكشاف الوضع الحالي لنظام حوكمة الشركات في السعودية من الناحية النظرية والتطبيقية.

٭ استيضاح المفهوم العام لتطبيق هذا النظام في الدولة من خلال أخذ آراء أربع شرائح أو مجموعات شاركت في هذا البحث.

٭ توضيح أهم المعوقات التي يمكن أن تعيق التطبيق المثالي لنظام حوكمة الشركات داخل الشركات المساهمة السعودية.

٭ التأكيد على أهمية إصدار معايير لحوكمة الشركات خاصة للتطبيق في الشركات المساهمة السعودية، من أجل المحافظة على قيام الشركة واستمرارها وتقليل نسب إفلاسها وانهيارها مستقبلا.

من أجل تحقيق الأهداف السابقة قام الباحث باستخدام ثلاث طرق من طرق جمع البيانات والمعلومات اللازمة لهذا البحث. أولا، الدراسات السابقة والتي ركزت على النظام سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية وذلك من أجل التعرف على تطبيق هذا النظام في هذه الدول وكذلك سهولة عمل المقارنة مع الوضع الحالي الموجود في السعودية. ثانيا، قام الباحث باستخدام طريقة الاستبيان من خلال توزيعه على الشرائح الأربع المشار إليها سابقا المشاركة في هذه الدراسة وتجميعها في فترة تجاوزت الأربعة أشهر. بعد التحليل الدقيق لهذه البيانات قام الباحث أخيرا باستخدام الطريقة الثالثة من طرق جمع البيانات وهي طريقة المقابلات الشخصية مع المديرين الماليين والمراجعين الداخليين في بعض الشركات المساهمة العاملة في السوق السعودي، من أجل التأكد من النتائج التي حصل عليها عن طريق الاستبيان ومن أجل أيضا إعطاء فهم أكبر للنتائج التي حصل عليها.

نتائج هذه الدراسة تدل على أن نظام حوكمة الشركات يعتبر آلية مفيدة لحماية حقوق جميع المساهمين باختلاف أحجامهم داخل الشركة وكذلك حقوق أصحاب المصالح المختلفة مع الشركة، أيضا هذا النظام يحدد مسئوليات والتزامات أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية في الشركات المساهمة السعودية. المفهوم العام من أغلب المشاركين في هذه الدراسة يدل على أن معظم الشركات المساهمة السعودية الكبيرة مثل شركة سابك، الاتصالات، والشركات الموجودة في قطاع البنوك تطبق معظم مبادئ حوكمة الشركات مثل المحافظة على حقوق جميع المساهمين وأصحاب المصالح المختلفة مع الشركة، تحديد مسئوليات أعضاء مجلس الإدارة وأيضا وجود عدد من المديرين غير التنفيذيين داخل الشركة. إضافة إلى ذلك، هذه الشركات تجني ميزة وأهمية كبيرة من استخدام نظام حوكمة الشركات كما أنها تنصح باقي الشركات الأخرى بتطبيق هذا النظام لم له من أهمية في تيسير العمل داخل الشركة وجذب المزيد من المستثمرين سواء من الداخل أو من الخارج.

من النتائج المهمة التي حصل عليها الباحث هو أن معظم المشاركين في هذه الدراسة أكدوا على أهمية هيئة السوق المالي السعودي كجهة مستقلة في استقرار السوق السعودي للأسهم وكسب ثقة المستثمرين في هذا السوق. وكذلك يتوقعون أن تقوم هذه الهيئة بإصدار معايير خاصة لحوكمة الشركات والتي يمكن أن تطبق بمثالية من قبل كافة الشركات المساهمة دون استثناء مع القيام بالرقابة على التطبيق داخل هذه الشركات. أيضا نتائج هذه الدراسة تشير إلى أن البيانات والمعلومات المالية وغير المالية التي تصدر عن طريق الشركات المساهمة تحتاج إلى المزيد من الإيضاح والشفافية لكي يمكن لمستخدمي هذه البيانات الاعتماد عليها في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية وبناء فكرة جيدة وصورة كاملة عن الشركات التي يمكن أن تكون وجهة استثماراتهم المستقبلية. أخيرا هذه الدراسة أشارت إلى أهمية لجنة المراجعة الداخلية داخل كل شركة مساهمة وأهمية المعلومات المقدمة لأعضاء مجلس الإدارة وللمساهمين، ولكن أشاروا إلى أهمية تمتع هذه اللجنة للمزيد من الاستقلالية والمزيد من الصلاحيات لتتمكن من العمل في جو أكثر صحة وأكثر شفافية.

على الرغم من أن معظم النتائج التي حصل عليها الباحث من خلال الاستبيان لاقت التأكيد والتأييد من معظم المشاركين في المقابلات الشخصية، إلا أن هناك بعض الاختلافات البسيطة والتي تتعلق بالتطبيق الحالي لنظام حوكمة الشركات في السعودية وكذلك فيما يخص الشفافية والإيضاح في الشركات المساهمة السعودية. وأخيرا يوجد اختلاف في من سيقوم بدور الرقابة على تطبيق هذا النظام داخل الشركات المساهمة السعودية.


التوصيات:

قام الباحث في هذه الدراسة بتقديم بعض التوصيات والتي يمكن أن يستفاد منها في تطبيق نظام حوكمة الشركات التطبيق المثالي في الشركات المساهمة السعودية منها:

٭ يجب أن يكون هناك مرشد وقائد من أجل تطبيق نظام مالي وإداري جيد وفعال يأخذ في الاعتبار تطبيق جميع المبادئ التي ينص عليها نظام حوكمة الشركات.

٭ من أجل غرض تطوير نظام حوكمة الشركات في السعودية، فإنه من الضروري مشاركة القطاع الخاص والقطاع العام وكذلك الأكاديميين في وضع معايير هذا النظام بما يتناسب مع البيئة والمجتمع السعودي. كذلك فانه من المفيد عمل مذكرة مبدئية وتوزيعها على معظم العاملين في القطاع الخاص والعام وكذلك الأكاديميين لأخذ أرائهم ومقترحاتهم تجاه هذا النظام، إضافة إلى ذلك فإنه من الضروري توعية المستثمرين والمساهمين بأهمية هذا النظام لحفظ حقوقهم عن طريق وسائل الإعلام المختلفة.

٭ عند إصدار معايير نظام حوكمة الشركات فإنه من الضروري الأخذ في الاعتبار حجم الشركات المساهمة السعودية (كبير- متوسط - صغير)، حيث انه ليس من الممكن إصدار معايير خاصة لكل شركة ولذلك يجب عمل دراسة شاملة باحتياجات ومتطلبات كل قطاع.

٭ إجبار جميع الشركات المساهمة العاملة في السوق السعودي على تطبيق هذا النظام سوف يبقى من التحديات الكبيرة، ولكن يمكن تحقيقه من خلال تقديم دورات وورش عمل لجميع الأطراف في الشركة سواء موظفين، مديرين، مساهمين، أو أعضاء مجلس إدارة.

٭ أخيرا تستطيع المملكة العربية السعودية أن تستفيد من الخبرات والدراسات التي قامت بها بعض الدول المتقدمة وبعض الدول النامية التي سبقتها في تطبيق هذا النظام، وذلك عن طريق عمل علاقات واتصالات مع هذه الدول سواء التي نجحت في تطبيقه أو الدول التي فشلت في تطبيقه لمعرفة الاسباب التي أدت إلى الفشل.

بصورة عامة هذه الدراسة تشير إلى أهمية تطبيق نظام حوكمة الشركات في الشركات المساهمة السعودية لما له من أثر كبير في كسب ثقة المستثمرين وزيادتهم سواء على المستوى المحلي أو الخارجي مستقبلا.
http://www.alriyadh.com/2006/07/21/article173055.html