السطحية في التعليم
د. صالح بن ناصر الشويرخ
يجب أن نعترف بأن الغالبية العظمى من الناس غير راضين عن النظام التعليمي المحلي، سواء أكان ذلك في التعليم العام أم في التعليم الجامعي، على الرغم من التحسينات والتحديثات التي أدخلت عليها، ومن الأسباب الجوهرية لذلك أن نظامنا التعليمي يشجع أسلوب التعلم السطحي، فالطريقة التي يعالج بها المرء المعلومات التي يستقبلها إما أن تكون معالجة عميقة وإما معالجة سطحية.
وصاحب الأسلوب السطحي ينظر للمسائل والقضايا التي تواجهه نظرة سطحية سريعة دون أن يفكر كثيراً في مكوناتها وأسبابها، وينصب اهتمامه الرئيسي على حفظ المعلومة كما جاءت إليه من مصدرها دون تمحيصها والتدقيق فيها. فأسلوب حفظ المعلومات هو الأسلوب الذي يغلب على صاحب الأسلوب السطحي في التعلم. بالمقابل لا يعتمد صاحب الأسلوب العميق على الحفظ في التعامل مع المعلومة، بل يحاول دراستها من جميع جوانبها، ويعمل عقله في تمحيصها وطرح الأسئلة حولها، وعليه فأسلوب التعلم السطحي يسير باتجاه أفقي، في حين يسير أسلوب التعلم العميق باتجاه رأسي.
ويعاب على التعلم السطحي أنه سريع الزوال وأثره محدود في سلوك الطالب وطريقة تفكيره، بالمقابل يتميز التعلم العميق بأنه يبقى فترة طويلة في عقل الطالب ووجدانه ويدخل ضمن المنظومة المعرفية لدى الطالب ويسهم في تشكيلها من جديد، ويترك أثراً ملحوظاً في سلوك الطالب وطريقته في التفكير والتعبير.
ليس من الصعب على أحد منا أن يحكم على نظامنا التعليمي بأنه نظام يشجع التعلم السطحي ومساحة التعلم العميق فيه محدودة، إذ يبدو أن غالبية طلابنا وطالباتنا يسلكون الأسلوب السطحي في دراستهم، وهم لا يفعلون ذلك باختيارهم وإرادتهم، بل هم مضطرون إلى اللجوء إلى التعلم السطحي لأن الموقف التعليمي يفرض عليهم ذلك ويجبرهم على تجنب أسلوب التعلم العميق. كما أن الطلاب لا يفعلون ذلك بوعي منهم، بل هم يتبعون - بطريقة لا شعورية - النمط التعليمي السائد، ولا يمكنهم الفكاك منه بسهولة.
وهناك عدة عوامل تدفع الطلاب والطالبات إلى اتباع أسلوب التعلم السطحي، ولعل من أهمها كثرة المواد والساعات الدراسية المقررة، فنحن نريد أن ندرس أبناءنا وبنانا كل شيء في فترة زمنية محدودة، هذا الوضع يجعل من المستحيل على الطلاب والطالبات سلوك الأسلوب العميق في التعلم وما يتطلبه من الغوص في أعماق الموضوعات المقررة واكتشاف أسرارها. كما أن كثرة الموضوعات والدروس لا تعطي الطالب فرصة لمتابعة تلك الدروس بشكل أكثر عمقاً.
ومن العوامل التي تساعد على انتشار التعلم السطحي طبيعة المادة العلمية المقدمة، فمناهجنا التعليمية تعنى في المقام الأول بتزويد الطلاب بأكبر حصيلة ممكنة من الحقائق والمعارف، دون أن تعنى بقيمة هذه الحقائق والمعارف ومدى صلتها بحياة الطلاب التي يعيشونها، ولا بمدى نفعها في خدمة المجتمع وحل مشكلاته. فالطالب يتعامل في الغالب مع معلومات لا يرى فيها قيمة كبيرة، أو بمعنى أدق معلومات علاقتها بما يعيشه ضعيفة، ومن ثم تكون قدرته على الإسهام في دراسة هذه القضايا محدودة جداً. كما أن المناهج التعليمية تتجاهل أصلاً ما لدى الطالب من قدرات عقلية وإمكانات فكرية ومواهب متنوعة، فلا تكشف عنها ولا تنمي ما يظهر منها، بل قد تعوق أحياناً نمو المتعلم وتعرقل مسيرته في جوانبها العقلية والخلقية والوجدانية.
وهناك عامل ثالث يشجع الطلاب على أسلوب التعلم السطحي ألا وهو نظام القياس والتقويم المتبع في مدارسنا وجامعاتنا، فهو يعتمد بالدرجة الأولى على الاختبارات التقليدية التي تقيس قدرة الطالب على حفظ أكبر قدر ممكن من المعلومات. وهذا النظام التقويمي لا ينسجم إطلاقاً مع أسلوب التعلم العميق الذي ندعو إليه.
ولتشجيع طلابنا وطالباتنا على استعمال الأسلوب العميق في التعلم يجب علينا إحداث تغييرات في نظامنا التعليمي ويأتي في مقدمة ذلك الابتعاد عن أسلوب الإلقاء والتلقين في التدريس وتحاشي تكليف الطلاب بمهمات تعليمية تعتمد في إنجازها على الحفظ فقط. بالمقابل يجب استخدام الطرق والاستراتيجيات التدريسية التي تعطي للطالب مساحة كافية للتفكير، مثل أسلوب المشروعات التعليمية، والتعلم بالعمل، وطريقة التعلم القائمة على حل المشكلات. كما ينبغي تشجيع الطلاب وتدريبهم على التأمل والتفكير العميق فيما يطرح عليهم من قضايا، وتعزيز مفهوم النقاش وهو ما نفتقده حتى في مجال الدراسات العليا. ومما يعزز التعلم العميق أيضاً توظيف أساليب جديدة في طرق القياس والتقويم، واتباع أسلوب التغذية الراجعة ليحل محل تصحيح الأخطاء، ويتمثل أسلوب التغذية الراجعة في أن يقوم المعلم باستخدام طريقة التعليق على المنتج الذي يقدمه الطالب مع عرض الإيجابيات والسلبيات التي يراها المعلم في ذلك المنتج وطرح بعض التساؤلات حول بعض المضامين، وإعطاء الطالب فرصة للرد على هذه التعليقات وإبداء وجهة نظره.
===============================================
http://www.al-jazirah.com/208237/ar2d.htm
الجزيرة
الثلاثاء 26 جمادى الأول 1428 العدد 12675
تعليق
هذاه الشكوى , حتما لها مماثل في ماقبل عام 1420هـ, وسيجده القارئ المتابع في موضوع "أبحاث علمية و مقالات عن الجامعات قبل عام 1420هـ"
الكاتب لا ينكر وجود أسلوب التعليم العميق, لكنه يؤكد محدوديته, لذا وجب على كل مصلح تعليمي أن يدفع أكثر باتجاه هذا النوع من التعليم والعمل على مزاحمة التعليم السطحي.
يبقى أن أشير إلى أن طلاب العلوم الشرعية والأدبية ربما إحتاجوا في فترة التأسيس إلى حفظ القرآن و ا لمتون و بعدها يلجون خط التعليم العميق التعليم التحليلي الإستنباطي..الخ
مع أن الحقيقة تقول أن عملية التعليم بنوعيه ا تبدأ منذ الصغر في البيت, فالأهل لهم دور كبير في إستخدام التعليم العميق الذي أشار إليه الكاتب. يُرجع في ذلك لكتب التربية.
إقتباس
ولتشجيع طلابنا وطالباتنا على استعمال الأسلوب العميق في التعلم يجب علينا إحداث تغييرات في نظامنا التعليمي ويأتي في مقدمة ذلك الابتعاد عن أسلوب الإلقاء والتلقين في التدريس وتحاشي تكليف الطلاب بمهمات تعليمية تعتمد في إنجازها على الحفظ فقط. بالمقابل يجب استخدام الطرق والاستراتيجيات التدريسية التي تعطي للطالب مساحة كافية للتفكير،
مثل
أسلوب المشروعات التعليمية،
والتعلم بالعمل،
وطريقة التعلم القائمة على حل المشكلات.
كما ينبغي تشجيع الطلاب وتدريبهم على التأمل والتفكير العميق فيما يطرح عليهم من قضايا،
وتعزيز مفهوم النقاش وهو ما نفتقده حتى في مجال الدراسات العليا.
ومما يعزز التعلم العميق أيضاً توظيف أساليب جديدة في طرق القياس والتقويم،
واتباع أسلوب التغذية الراجعة ليحل محل تصحيح الأخطاء،
ويتمثل أسلوب التغذية الراجعة في أن يقوم المعلم باستخدام طريقة التعليق على المنتج الذي يقدمه الطالب
مع عرض الإيجابيات والسلبيات التي يراها المعلم في ذلك المنتج وطرح بعض التساؤلات حول بعض المضامين،
وإعطاء الطالب فرصة للرد على هذه التعليقات وإبداء وجهة نظره.
تعليق
يقول د. صالح في الفقرة المقتبسة "يجب علينا إحداث تغييرات في نظامنا التعليمي " و هذا صحيح , لكني أقول للمعلم و المعلمة , بادر بنفسك بتطبيق و تفعيل ما تستطيعه من بنود أشار
إليها د. صالح, ولا تنتظر الوزارة لتعطيك الأوامر. يمكنكم كمعلمين يكون لكم اجتماع تطوعي تناقشون به هذه الأمور و هذه الأساليب التعليمية, وكل يدلي بتجربته و يفهم الآخر ما لم يفهمه من هذه الأساليب, ويذلل بعضكم لبعض العوائق التي تواجهكم في طريق تفعيلكم لتلك الآساليب.
يعني مثل ما يجتمع بعضا من الشباب لتدارس كتاب من الكتب الإسلامية, يمكنهم الاجتماع لتدارس أساليب التعليم المختلفة كتطوع منهم لا كجزء من عملهم الوظيفي, ففي ذلك خير كثير لهم و للمجتمع.
نا أعلم أن بعضا من أساليب التعليم التي يحب ان يطبقها المعلم يواجهها بعضا من العوائق, ووقد يكون العائق مدير المدرسة نفسه او عميد الكلية
الذي لا يرغب إلا بلأساليب التلقينية, ويخرج عليك المدير بعدة إعتراضات مثل "لا تضيعون الوقت" , "لا تخرجون عن المنهج" , "هؤلاء الطلبة لا يستوعبون طرقكم الفلسفية"
و ربما لجاء بعض المدراء لعقابكم. هذا نوع واحد من العوائق لأن التعليم التلقيني السطحي هو المسيطر على الساحة, فلا تظن أيها المطور للتعليم أن الطريق مفروش لك بالورود..
و عليك أن تستحضر المعاناة التي عاناها الأنبياء في طرحهم لرسالتهم على المجتمعات, لأن رسالتك أنت إصلاحية ايضا. وقد يضايقك المعلمين من حولك لأنهم لا يريدون التغيير, فيخافون ان تفتح عليهم بابا من الجد والإجتهاد., هم لا يريدونه. والعوائق كثيرة. وقد توفق بمدير او مسؤول جيد يعينك ويفهمك و يدفع بك للأمام.