كتب/ رداد السلامي
ما حدث في إب شيء يستفز العاطفة ويصيب العقل بمقتل ..إنك تحاول ان تزيح عن تفكيرك خيال الرعب وهو يجتاح بشراسة معاقل عقلك.. ويتسيد المشهد الدامي فيلجم حنجرتك ..
تصارع هول الفاجعة فما حدث لايمكن أن يكون حقيقيا إنه مجرد" فيلم رعب" من نوعية تلك التي ترى على شاشات التلفاز ..ربما.
لكن رائحة الدم المختلطة ببارود الرصاص تخبرك أن لاشيء مما تظنه خيال.. ما يدور في عقلك هي الحقيقة ..إن ما تراه هي جثة إنسان أزهقها رعب القتل الوحشي في مخفر أمن السلطة .
حين تكتشف أن القتلة رجال دولة ينحدرون من صلب "القباحة" ويتناسلون الموت دمارا للحياة ..أنهم عصابة ينتمون إلى عصابة مماثلة تطلق على نفسها السلطة أو النظام أو الحكومة هذا ما يمكن استنتاجه وأنت ترى شخصا التجأ إليهم طالبا إزهاق روحه بطرق قانونية.. ومؤ طرا روحة التي أزهقت عبثا في إطار القانون الذي يؤدي دوره بلا وحشية أو إجرام فإذا به يجد انه أسلم ذاته لذات الأجرام وان الذين أرعبوه موتا وقتلا قبل أن يموت هم دعاة القانون وحماته ..
"حاميها حراميها" .. فوضى يطلقها الساسة بلا هوادة رعب يفترس الأمان ..إن الذين منحتهم محافظة "إب " قرابين حب ووفاء وقدمت شهداء في مواكبهم أيام الانتخابات في استادها الرياضي !!! يسلخون جلدها عنوة وفي عمقها يمارسون عبث الثأر ..وبعد أن يرتكبوا فنون المجزرة يجوبون شوارعها عازفين ألحان النصر وموسيقى الموت والدمار وكأن القدس قد حررت...!!
وإذا كان أحد أبنائها الموالين للنظام قال فترة الثمانينيات وباللغة الانجليزية معزيا القانون :"ذبح النظام والقانون يوم ذبح رأسي الثورين" وذلك حين أقدم أحد أفراد أسرة النظام الحاكم آنذاك على محاولة اغتيال احد المشايخ لكنه فشل فما كان من النظام إلا أن استرضاه بذبح رأسي ثور!!!
يا لها من جريمة تلك التي حدثت ..إن من انعدم الضمير فيه سيحييه رعب هذا المنظر البشع الذي يهتز له قلب الكائنات .
"صلاح الرعوي" يمني ينحدر من أسرة فقيرة تعاني من شظف العيش وقسوة الحياة يمتلك أرضا صغيرة هي "حوشة العمر" كما يقول -الإخوة المصريون- لم يكن يعلم أن دفاعه عن حقه سيؤدي به الى قتل المغتصب لها لم يكن يظن ابن "الرعوي" المسكين أن خنجره سينغرس في قلب ضحيته.. أرعبه هول ما أقدم عليه .. أصابته الفجيعة برعشة في القلب، أحس خطأ ما صنع وإن كان يدافع عن حقه، فلم يهرب ولم يلتجئ إلى قبيلته ولم يلم حوله "شلل الموت" وعصابات "القبيلة" ولم يردد زوامل الحشد والنعرة القبلية ، بل أسلم ذاته إلى مركز الأمن إلى الدولة لكن صلاح لم يكن يعلم انه لا دولة وان ما يسمع عنه مجرد هراء وتلفيق وكذب وان تلك الصور الحمراء التي تمتليء به واجهات المحلات في مدينته الخضراء هي مجرد صور فقط وأن عبارة"نعم للأمن والأمان" و"يمن جديد مستقبل أفضل " هي كلمات جوفاء تصفر منها رياح الخوف والفجيعة..
لم يكن يعلم صلاح الرعوي أن قانون القبيلة او ما أطلق عليه رموز الحزب الحاكم ذاته :بالقوى التقليدية" هي التي تحكم البلاد وتفرض سيادتها وشريعتها على الناس مستقوية بفرادة نفوذها وتركز الثرة في يديها .. ولم يكن يعلم ان الاجهزة الامنية ليست أجهزة دولة وطنية بل أجهزة قبيلة وعصابات قتل وثأر ..فجأة وبدون شعور منه وجد المواطن "الإبي " صلاح الرعوي ذاته بين انياب الموت وفك الثأر أفرغ القتلة "جعب" أسلحتهم "الكلاشنكوف" في جسده النحيل وتناوشته خناجرهم وحرابهم.
كان البادئ وأول القتلة مدير أمن ذمار الذي دخل إلى البحث الجنائي "مسرح الجريمة" مستغلا مسؤليته الرسمية ، ودكتور جامعي يدرس مادة "علم الاجتماع "- بجامعة ذمار- مستغلا مكانته الأكاديمية كباحث اجتماعي!!..ولم يكتفي القتلة بذلك بل أخذتهم نشوة الثأر فإذا بهم يجوبون شوارع مدينة "إب" مرددين زوامل النصر وساردين فلسفتهم الانتقامية في كلمات تعكس واقع الوضع العام برمته :
قال العميسي يا بني بداي صقور القوم..
في وقت بياض الوجيه
قتلوا القاتل وهو في السجن في نفس اليوم..
يستاهل الموت السفيه
لو حبسكم في البحر الأحمر لا ندومه دوم..
ونقلبه منه وفيه
ونخرج أصحاب الوفا وقت الحمى والحوم..
من مات منا طز فيه
هكذا إذا تليت تراتيل "الإثم" أمام أبناء المحافظة برمتهم .. قد تستغرب فما حدث ليس في فلسطين ومن قام بذلك ليسوا أسرائليين لكن الحادثة تتاشبه مع ما يرتكب هناك من مجازر وهدم للبيوت وترويع للسكان فقد قام القتلة بعد ذلك بعمل إجرامي آخر قاموا بهدم بيت "الرعوي" الذي لايملك سواه أحرقوا مأوى فراخه الصغار هدموا عش أطفاله .. يا لها من مأساة حين يأتي أطفال الرعوي ليجدوا أن والدهم قتل ببشاعة وان بيتهم هدم وانه لا مأوى لهم ولا وطن يحتمون به .. كما يسعون إلى اختطاف إبنه بحسب زوجة الرعوي.
ربما كانت صورة الرئيس معلقة على جدار مذبحة بحث الأمن الجنائي بإب ..ربما شاهد مواطنه صلاح وهو يجزر ويئن ظلما تحت رماح وخناجر ورصاص القتلة.. آه يا مصدر الأمن منك الخوف أتى.. فإلى متى نرجو امنك ..إلى متى ؟ هل كان يردد صلاح الرعوي تلك الكلمات ربما ..
الذاكرة تستعيد تفاصيل المذابح التي حدثت قبل ذلك ..والدلائل تشير إلى ان القتلة مقربين من النظام او موظفين في مخافره ومراكزه الامنية فالحامدي وهو أحد أبناء محافظة "إب" كما يطلق عليها الرئيس في مهرجاناته . والذي قتل بتاريخ / / / / كان قد قتل من قبل عصابة مسلحة تنتمي إلى سنحان ومارس القتلة جريمتهم بكل رعونة وبشاعة وبدم بارد امام أبنائه الذي صعقوا من هول ما حدث لأبيهم لم يرحم القتلة برائة الاطفال ..جاؤا بسيارات عليها أرقام حكومية البعض منهم غرز "جمبيته" في قلب الحامدي والبعض مسدسه والاخرون بنادقهم حتى بياداتهم اشتركت في القتل ، فبعد موته رفسوه بها كما ترفس جثة شاة ميته وانطلقوا إلى معاقلهم غانمين سالمين وأحيوا ليلة النصر الكبير.. وراح دم الحامدي هدرا ليراق بدلا عنه رأس ثور ودراهم معدودة وكانوا به من الزاهدين
.. ماذا سيقول النظام الحاكم لطفلي الحامدي( زكريا)، و(يوسف) وأطفال صلاح الرعوي .. ؟؟ تلك اسئلة نتركها للزمن فالأيام كما يقال دول...
ألم تعي السلطة ما حدث إثر مقتل الطفل طه العواضي الذي قتل على يد شيخ "سنحاني" ومرافقيه " تلك الجريمة التي كادت أن تشعل فتيل المواجهة بين قبائل البيضاء وسنحان وكانت " القوى التقلدية الحاكمة" عازمة على زج الأمن في معمعة الثأر وردد الطرف المتضرر زوامل التحدي التي تمثل صيحة حشد للقبيلة
قال العواضي عافت النفس الحياة البائسه ..عيشة بلاناموس ملعونة مع من عاشهـا
يا أولاد عمي يا اخوتي ياكل قمة يابسـه ..شدوا حزمكم وعز القبيلة مطراشهـا
فزعة تجلي همنا والعيب ينقـا غارسـه ..والكيل بالمكيال ماالوظره غلب نقاشهـا
والسيل فيذا ماوقع في الصيف ولاخامسه ...فلانبـت زرعا ولاالحبـة نفـع نباشهـا
والحر مايرقد قرير العين لاحد داعسـه ...يغلب عليه أصله من الهونا ومن قواشها
ولعن أبومن ذلته نفسه متى حد سايسـه ..والروس ما تعلى متى حد قد دهل فقاشها
فيأتيه الجواب من قبل احد المشائخ:
حيا ملا الدنياء ويتعـدى سماهـا السادسـه ..والسابعه لاما تطيب النفس مـن ذي غاشهـا
لا الظبي في البستان ولا الغرس خانه غارسـه ..ماحيلـة المضطـر لاجاتـه سـوى إتقنّاشهـا
قد أصبح أمس اليوم والشمس المشعه قارسـه ..واسترخت الفرسان والخيل أحتوت في أحواشها
وفـي الحقيقـة كلنـا صرنـا بحاجـه ماسـه ..لدولة القانون مـا الفوضـى كفـى عِنّاشهـا
والشعب ما قصر وقد حط الثقـه فـي رئيسـه ...ذي لانـوى يحشـد ولا بايعجـزه رِبّاشـهـا
ولاعزم يحسـم ولـو لاقـى المنايـا عابسـه ...وأهل الغوى والشر قدمـن واجبـه كلِبّاشهـا
حذار يتأخـر وقـد سلمـى مطـول عانسـه ...والسيل ماينفـع متـى لاجـاء قفـى كِمّاشهـا
وكل شي له وقت يامولـى الحـدس والحاسـه ...وكم فرص ضاعت وكم نأسف علـى طِنّاشهـا
ماودنـا شـي نٌشجـب الحاضـر ولاتنافسـه ....ولاهدفـنـا نـهـدم القلـعـة ولانغِباشـهـا
ماهل بغينـا ننصـح الـذواد وأمـه جالسـه ....من قبل مـا سرحـان يتعـود علـى نِتّاشهـا
في الأمس جأت الراعيه في البهم ذي متجانسه...واليوم ذي تِحدى الفرق ناوي علـى هوّاشهـا
ذلك هو المنطق الحقيقي الذي تدار به البلاد وما الحديث عن النظام والقانون إلا للاستهلاك والاستخفاف بالعقول ليس إلا ، إنها ثقافة الصيد والقنص والثأر ..ثقافة الصحراء .. لاسيادة للضمير أو النظام والقانون ..الضعيف يجد نفسه عرضة للقتل والنهب ويسيطر عليه الخوف المستمر ..صوت الرصاص أقوى من صوت العقل وشريعة الجهل تلهو على جثث الضحايا ..
وبعد مقتل الطفل "طه العواضي" تم قتل الشاب "منصور الشهاري" ظهراً في شهر مارس ، في قلب صنعاء، على أيدي مجموعة يقودها نجلا قائد عسكري كبير من «سنحان». كان الحادث مؤلماً أكد فيه نافذو «السلطة » أنهم لن يتراجعوا عن صياغة مشروعهم كقوة للقهر، ليس بإمكان أحد الوقوف أمامها أو محاسبتها
هكذا يواصل مسلسل القتل والاستخفاف بأرواح الناس لعبته .. وهكذا ترتكب جرائم ضد الإنسانية في وطن يدعي ساسته أن الأمن والاستقرار هي نعمة وجودهم وأنه لولاهم" لتصوملنا " ولمتنا جوعا .. ثأر يومي متعدد ومتنوع فهناك ثأر قبلي بين قبيلة وأخرى وهناك ثأر يرتكب بزي رسمي وقتل يرتكب تحت مسميات وشعارات وطنية كما حدث في ردفان وغيرها .. وقتل يمارسه مقربون من السلطة وآخر يمارسه ذوي نفوذ لهم فيها ومستقوين بهيبتها .
السلطة لاتؤدي دورها وفي ظل تفاقم الأزمات وتواليها تقف متفرجة وهي ترى أن ثمة خطر داهم يحدق بالبلاد كنتيج منطقية لممارساتها وتعاميها عن قضايا ومشاكل المجتمع ..إن ما يحدث سيؤدي إلى وجود خلل عميق في العلاقات الاجتماعية وسيؤدي إلى خلق حالة من التصادم والتناحر المجتمعي الذي يصعب السيطرة عليه ..ما يحدث من قتل وما حدث لصلاح الرعوي ،وقبله القيسي ،و الحامدي واختطاف، المتوكل ذي التسعين عاما وغيرهم الكثير في الجوف ومارب وصعده ، وما يحدث من تدخل قبلي اليوم في مديرية حجة لحرف مسار القضية هناك ،وما يحدث من تفاقم استحكام المنطق القبلي وضربه لهيبة الدولة شيء مخيف يدل على أن البلاد سائرة نحو تناحرات قبيلة وثارات مناطقية ودعوات عنصرية وأن مراكز الأمن لم تعد تؤتمن أو تؤدي دورها الوطني بعيدا عن منطق القبلية والمناطقية ..لأنها أضحت تتحرك وفق تعليمات جهات قبيلة أسروية وأصبحت فخا لاستدراج الضحايا إليها ومكانا آمنا للجريمة والثار
لايدرك ساسة البلاد اليوم ما يحدث في عمق النسيج الوطني من تفسخ وترهل وأن استمرار صناعة الاختلافات والتناقضات وتأزيم الوضع له مردوده الكارثي على النظام ذاته ومؤشر على ضعف أدائه وإفقادا لشرعيته ومبررات وجوده ، فعدم سيادة منطق العقل والقانون وإضعاف دور القضاء واستمراء حل الأزمات والمشاكل بطرق تقليدية كرس ثقافة القتل والثار وأدى إلى زيادة منسوب الجريمة وتفشي ظاهرة حمل السلاح كما أن ظهور ثقافة "الاحتقار" من قبل أبناء المناطق القريبة لجغرافيا "صناع القرار" لأبناء للمناطق الاخرى واعتبار دمائهم كما يرددون "دماء ثعابين" ومساواتها بدماء المواشي والانعام التي تذبح كهجر مقابل ذلك ، أدى إلى تفتيت وحدة الشخصية اليمنية وأنتج انشقاقا نفسيا واحتقانا خفيا يتراكم في الصدور وربما خرج عن نطاقه المكبوت ليشعل البلاد تحت وطأة الشعور بالظلم والاستنقاص وانتهاك الكرامة

---------------------------------------
*كاتب وصحفي يمني