بناء القدرات في مجال تكنولوجيا المعلومات




تعد البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات ركيزة مهمة من ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في مختلف أنحاء العالم. ولقد أدركت الدول المتقدمة هذه الحقيقية منذ وقت مبكر، إذ عملت على تهيئة بنية أساسية لتكنولوجيا المعلومات، مكنتها من تحقيق قفزات نوعية مهمة في مجال النمو الاقتصادي والاجتماعي. وتؤكد تجارب دول العالم المتقدم في بناء وتطوير مرتكزاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على ضرورة توافر عدد من الشروط الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعد وجود بيئة مثالية لانتشار تطبيقات تكنولوجيا المعلومات في مقدمة هذه الشروط. إذ كان لسياسات هذه الدول في مجال بناء قدراتها التكنولوجية الفضل في تحقيق التطور المطلوب في مختلف القطاعات. وقد ارتكزت هذه السياسات على النقاط التالية:


  • النشر السريع للتكنولوجيات الجديدة.
  • تقديم الحوافز لدعم الشركات الخاصة على الابتكار.
  • التركيز على مهارات التعلم والارتقاء على مدى الحياة.
  • الاستثمار المستمر والآمن في المدخلات المبتكرة لتعزيز الإنتاجية.
  • تشجيع الشروع في إنشاء شركات جديدة تقوم على تطبيقات التكنولوجيا المستحدثة.
  • تامين وجود هياكل وشبكات مؤسسية كافية.
  • ربط سياسات العلم والتكنولوجيا والابتكار بأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.


وفي ضوء ما تقدم فان برامج الدول النامية لبناء قدراتها في مجال تكنولوجيا المعلومات، سيعتمد بالدرجة الأولى على تحديد الاولويات الوطنية وتجنب استنساخ تجارب الآخرين، وعليه لا بد من وضع استراتيجيات تنفيذية تتوافق مع الرؤى الوطنية و الاحتياجات الضرورية في مجال التنمية، كما يفضل أن تستكمل هذه الجهود بدعم المبادرات التي تهدف إلى تحقيق أهداف محددة في مجالات بناء القدرات، ويمكن القول إن المرتكزات الأساسية لبناء القدرات التكنولوجية في الدول النامية هي:


  • دعم الجامعات والمراكز البحثية في مجال توفير المعرفة.
  • تامين برامج تعاون بين القطاع الخاص والعام من جهة والجامعات والمراكز البحثية من جهة ثانية لغرض اكتساب المعرفة وتكييفها ونشرها.
  • تنمية الموارد البشرية ودعم برامج التأهيل العلمي والتقني .
  • توفير التمويل اللازم لسد احتياجات القطاع العام والخاص في إجراء عمليات التحول الضرورية باتجاه الاعتماد على تطبيقات تكنولوجيا المعلومات.
  • تهيئة مرتكزات البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والعمل على تطويرها.
  • الارتقاء بآليات تعزيز التكنولوجيا من خلال إنشاء روابط مشتركة بين المؤسسات البحثية و المؤسسات الصناعية.
  • تسهيل إجراءات نقل التكنولوجيا من خلال تطوير التعاون الدولي مع الدول الرائدة في هذا المجال.
  • تهيئة مواقع اختبار علمية لتنفيذ سياسات العلم والتكنولوجيا التي تتطلب التقييم المستمر والإصلاح للحفاظ على فاعليتها.
  • إقامة بيئات مستدامة تشجع على الابتكار وتساعد على تنفيذ المشروعات التكنولوجية.
  • سن التشريعات والقوانين اللازمة لتامين حرية تبادل الخبرات ونقل المعرفة وتيسير سبل الاتصال العلمي بين النخب العلمية.


والجدير بالذكر أن هذه المرتكزات قد تتباين إلى حد ما من دولة إلى دولة أخرى تبعا للبنية الأساسية الفعلية والموارد البشرية و الامكانات المالية المتاحة، فضلا عن مدى رغبة الحكومات المحلية في بناء قدراتها وتطلعاتها إلى تحقيق التقدم التكنولوجي المنشود. لكن هذا التباين قد لا ينطبق على الأهداف المرجوة من بناء القدرات المحلية في مجال تكنولوجيا المعلومات التي تكاد تكون مشتركة إلى حد ما بين مختلف دول العالم. و يمكن إيجازها هذه الأهداف بالآتي:


  • نشر تطبيقات تكنولوجيا المعلومات واستخدامها من خلال تطوير الكفاءات، والموارد، والشبكات ، والقاعدة المعرفية، والبنية الأساسية.
  • تطوير الامكانات في مجال تكنولوجيا المعلومات بقصد زيادة الإنتاجية وتحسين القدرة التنافسية.
  • بناء قطاع لتكنولوجيا المعلومات يتصف بالديمومة ويرتكز على استراتيجية وطنية.
  • بناء مجتمع المعلومات لتحقيق الربط مع اقتصاد المعرفة.
  • تامين طريق سريع لتناقل المعلومات بين القطاعات المختلفة وبناء ثقافة مجتمعية جديدة للتعامل مع أدوات تكنولوجيا المعلومات.


بناء القدرات المحلية

بناء القدرات المحلية في مجال تكنولوجيا المعلومات تعتمد بالدرجة الأساس على المؤسسات الحكومية، خاصة في مراحلها الأولى. فضلا عن أهمية وجود هيكل تنظيمي لضمان الآلية المناسبة لتنفيذ برامج بناء القدرات وفقا للمنظور الوطني. ويمكن أن نلخص بعض مراحل العمل في خطة بناء القدرات المحلية وفق التالي:

المسح الميداني للتعرف على جاهزية مؤسسات الدولة الحكومية.

وهذا يرتبط بتوفر واستخدام الحواسيب في تنفيذ المهام الإدارية والفنية والذي يعد من أهم المؤشرات على جاهزية المؤسسات الحكومية على استيعاب تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والإفادة منها، وهي في ذات الوقت عامل مهم من عوامل سيادة نمط جديد في العمل الإداري يعرف بـ "الإدارة الالكترونية" والتي تعد ركيزة مهمة من ركائز واحدة من أهم تطبيقات تكنولوجيا المعلومات وهي "الحكومة الالكترونية" .

إن الإدارة الالكترونية في واقع الأمر تختلف عن الإدارة التقليدية في قدرتها على تسريع وتبسيط أسلوب تقديم الخدمات، والعمل على ضمان مستويات عالية لجودة الخدمات، فضلا عن تخفيض النفقات إلى أدنى حد ممكن. وعلى المستوى المحلي مازالت معظم المؤسسات الحكومية تولي الأصول الورقية في التعاملات الإدارية أهمية كبيرة، إذ إن الأنماط التقليدية في العمل الإداري هي السائدة، بالرغم من توفر أعداد كبيرة من الحواسيب الشخصية في هذه المؤسسات فضلا عن وجود ملاكات إدارية وفنية مؤهلة للتعامل مع هذه التقنيات. ويمكن النظر إلى أهم المشكلات التي تعاني منها مؤسساتنا الحكومية في هذا المجال بـ:

ضخامة الأرشيف الورقي المحفوظ.
تكرار غير مبرر للأصول الورقية.
تكرار المعلومات في الوثائق المختلفة.
نمط تدفق المعلومات بين المركز والفروع يستنفذ الكثير من الوقت.
كلفة إنتاج وتعميم الأصول الورقية عالية جدا.
التعامل مع تقنيات الحاسوب بوصفها بديل عن الآلة الكاتبة في معظم الأحيان وعدم الإفادة من خصائصها الفنية الأخرى.
هدر واستنزاف جهود العاملين في العمل الروتيني.
زيادة أعداد الملاكات الإدارية على حساب الملاكات الفنية.


وبوجود هذه المشكلات يصبح الحديث عن تطبيقات تكنولوجيا المعلومات مبررا، وان أي جهود تبذل لغرض توجيه عمل مؤسسات الدولة إلى نمط الإدارة الالكترونية لا يعد نوع من الرفاهية الإدارية، بقدر ما هو مطلب أساسي وملح لبناء مجتمع المعلومات. إن الإفادة من تطبيقات تكنولوجيا المعلومات هي الحل الامثل لحل الكثير من المشكلات التي تعاني منها مؤسسات الدولة.

ولنجاح أي مؤسسة في هذا المجال لابد أن يتم التحول نحو الإدارة الالكترونية ضمن برنامج وطني شامل للمؤسسات كافة. على أن يراعا التدرج في التنفيذ لضمان تقبل الأمر من قبل قطبي المعادلة وهم العاملين في هذه المؤسسات والمستفيدين من خدماتها.

القيادة الالكترونية

الريادة في إجراء عملية التحول نحو تطبيقات تكنولوجيا المعلومات في تنفيذ المهام الإدارية والفنية، لابد أن يرتبط في مراحله الأولى على الأقل بالمؤسسة الأكثر تقبلا في عملها لهذه التطبيقات، مع الأخذ بنظر الاعتبار الجاهزية الفنية والإدارية لهذه المؤسسة والتي ستمكنها من توفير فرص أفضل لنجاح مثل هذه التجربة.

تهيئة الموارد البشرية

الموارد البشرية يقصد بها الطاقات والخبرات البشرية المتوفرة في البلد والتي يتوقع لها أن تؤدي دورا مهما في نشر وتعميم واستيعاب تطبيقات تكنولوجيا المعلومات على المستوى المحلي. ويمكن تصنيف الموارد البشرية في مجال تكنولوجيا المعلومات إلى ثلاث شرائح وهي:

شريحة المنفذون. والتي تكون مسؤولة عن بناء برامج تطبيقات تكنولوجيا المعلومات وتهيئة مستلزماتها. وفي الغالب تضم هذه الشريحة نخبة من المتخصصين في مجالات الهندسة والحواسيب والمعلومات والاتصالات والإعلام


شريحة المشغلون. وهم الشريحة التي ستوكل لها مهمة تشغيل برامج تطبيقات تكنولوجيا المعلومات في المؤسسات التابعين لها، ولا يشترط بهم أن يكونوا بمستوى الشريحة الأولى من ناحية التخصص والتأهيل، في ذات الوقت يجب أن لا تنقصهم المهارة والخبرة في مجال التعامل مع الحواسيب وتطبيقاتها البرمجية المختلفة


شريحة المستفيدون. تعد شريحة المستفيدون الأوسع بين الشرائح الأخرى ، فضلا عن كونها تؤدي دور الحَكم النهائي على مدى نجاح تطبيقات تكنولوجيا المعلومات في خدمة المجتمع، وتفاعل هذه الشريحة مع هذه التطبيقات يعد حافزا مهما لتطويرها بشكل مستمر


تعزيز المحتوى الرقمي المحلي على الانترنت.

بث المعلومات عبر شبكة الانترنت يعد ظاهرة عالمية غير مقيدة بالعوائق السياسية أو اللغوية أو الثقافية، ولعل العائق الوحيد هو العائق القانوني الذي يرتبط بالحماية الفكرية. وبناء القدرات المحلية لتكنولوجيا المعلومات يعتمد بالدرجة الأساس على تعزيز وتحسين منافذ بث المعلومات عبر شبكة الانترنت ، وتيسر سبل الإتاحة والوصول إليها من قبل طالبيها. وكلما تعزز المحتوى الرقمي على الانترنت زادت فرصة التحول نحو مجتمع المعلومات الذي يرتكز على ثلاث مرتكزات أساسية وهي:

-ثقافة المعلومات. ويقصد بها مجموعة السلوكيات والقيم الفاعلة التي يجب أن تتميز بها المؤسسة والعاملون فيها، من مبادرة لتبادل المعلومات وإتاحتها للمستفيدين.

- إدارة المعلومات. يقصد بها الممارسات الخاصة بدورة حياة المعلومات من استشعار وتنظيم ومعالجة وتحديث.

- تكنولوجيا المعلومات. تتمثل في استخدام مختلف الوسائل والتقنيات التكنولوجية في دعم العمليات الخاصة بمعالجة وتخزين وبث المعلومات.

وتجدر الإشارة إلى إن تعزيز المحتوى الرقمي على الانترنت سيمكن المؤسسات من تحقيق قدرة اكبر على الإدارة الفعلية لتطبيقات تكنولوجيا المعلومات لدعم العمليات واتخاذ القرارات وضمان مرونة التخاطب والتواصل مع المستفيدين وباقي المؤسسات

تنفيذ تطبيقات وبرامج الحكومة الالكترونية.

الحكومة الالكترونية تعد من أهم تطبيقات تكنولوجيا المعلومات وأكثرها فاعلية، فمن خلال هذا التوجه يمكن تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين وشركات القطاع الخاص بطريقة أفضل. مع ضمان شفافية الحكومة مع الأفراد والتقليل إلى أدنى حد من ظواهر الفساد الإداري، فضلا عن تحسين الأداء في مجمل القطاعات. ويعني مفهوم الحكومة الالكترونية استخدام تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لبناء جسور التواصل بين المؤسسات الحكومية والمواطن من خلال منافذ تكنولوجية غير مباشرة بالطريقة التي تؤدي إلى استثمار أفضل للطاقات وتقلل إلى أدنى حد ممكن من جهد و وقت المواطن في أنجاز معاملاته. وبشكل عام هناك أربع أصناف من تطبيقات الحكومة الالكترونية:

أ‌.حكومة إلى مواطن. تستهدف المواطن بتيسير سبل الوصول إلى المعلومات العامة من خلال استخدام مواقع الوب على شبكة الانترنت، الخاصة بالمؤسسات الحكومية كافة، لإنجاز مختلف أنواع المعاملات، مثل الحصول على جواز سفر، أو التعامل المصرفي ...الخ.

ب‌.حكومة إلى شركات. تستهدف تقديم الخدمات إلى قطاع الأعمال الخاصة لتقليل كلفة إجراءات التعاملات الإدارية خاصة في مجالات المناقصات والضرائب والتراخيص...الخ.

ت‌.حكومة إلى موظف. تستهدف تقديم الخدمات إلى الموظفين الحكوميين من خلال الانترنت الانترانت في مجالات طلب الأجازات والتعرف على جداول رواتبهم وغيرها من الخدمات.

ث‌.حكومة إلى حكومة. تستهدف التفاعل بين المؤسسات الحكومية ضمن الدولة من خلال شبكات المعلومات والاتصالات في مجالات تسديد المدفوعات والمراسلات وتوحيد الاستثمارات والخدمات الاستشارية...الخ.

وتعد الحكومة الالكترونية وفقا لهذا المنظار قمة التطور التكنولوجي للدول فضلا عن كونها رأس الهرم بالنسبة للقدرات في مجال تطبيقات تكنولوجيا المعلومات. ونجاح الحكومة الالكترونية يعتمد بالأساس على تنامي القدرات المحلية في مختلف القطاعات الحكومية في مجال الاعتماد على تطبيقات تكنولوجيا المعلومات، وبشكل خاص على شبكات المعلومات المحلية والدولية، فضلا عن تنامي الشعور بأهمية المعلومات وزيادة الخبرات المجتمعية بالتعامل مع تكنولوجيا الحواسيب والاتصالات.

إعداد الدراسة: نبيل عيد

المصادر:

- الأمم المتحدة . بناء القدرات في تطبيقات مختارة لتكنولوجيا المعلومات.

- الأمم المتحدة / تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا. مبادرات بناء القدرات التكنولوجية.

- الأمم المتحدة / مبادرات بناء القدرات التكنولوجية. 2003

- اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا. مؤتمر غربي آسيا التحضيري للقمة العالمية لمجتمع المعلومات

منقول